كان أستاذنا الدكتور حامد ربيع أيقونة جامعة القاهرة بصفة عامة وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بصفة خاصة، يتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية أو أمريكا بشيء من الإعجاب، وبالذات عندما يؤكد أن من حق أى مواطن أمريكى أن يحلم بأن يكون يوما ما رئيسا للولايات المتحدة، وأن حلمه هذا قابل للتحقيق إذا عمل واجتهد لتنفيذه... كما كان يقول أن مفهوم الأمن القومى الامريكى مرتبط بامتداد خريطة العالم من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ولعل هذا ما يفسر اهتمام امريكا بكل شاردة أو واردة تحدث فى أى بقعة من العالم.
ولعل هذه النقطة الأخيرة بالذات هى ما جعلت العالم كله يحبس أنفاسه، وهو يتابع الانتخابات الامريكية والتى وصفت بأنها الأقوي والأشرس منذ عقود، فالعالم كله يعلم يقينا أن نتائج الانتخابات الامريكية ستنعكس عليه إن آجلا أو عاجلا.. ولعل منطقتنا العربية كانت من أكثر مناطق العالم اهتماما بمجريات الانتخابات الأمريكية، نظرا للعلاقات الوثيقة التى تربط أمريكا بإسرائيل والدول العربية، وظهور ما يمكن أن نسميه بالعلاقات الخاصة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ودول المنطقة فى السنوات الأربع الماضية، والذي أوجد ميلا وأملا من عدة دول في فوز ترامب، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهى السفن، وفاز جون بايدن طبقا للأرقام المعلنة حتى الآن، وطبقا لرفض القضاء الامريكى فى عدة ولايات ادعاءات ترامب بحدوث تزوير فى الانتخابات.
وإذا توقفنا أمام الانتخابات الامريكية نستخلص الدروس التالية:
* سجلت هذه الانتخابات إقبالا غير مسبوق من الناخبين الامريكيين.. ولعل ما يفسر ذلك إيمان الناخبين بأن الانتخابات حقيقية، وبأن المنافسة حقيقية وبأن اصواتهم مهمة ومؤثرة.
* أن وجود تنافس حقيقى فى الانتخابات مرتبط بوجود أحزاب حقيقية، أو بالأحري وجود الحزبين الجمهورى والديمقراطي وامتلاكهما تاريخ سياسى وقواعد شعبية راسخة.
* أن الممارسة الديمقراطية تفرز مرشحين حقيقيين، ولعل مسيرة جون بايدن تؤكد ذلك، فالرجل بدأ كعضو مجلس محلى ثم كعضو كونجرس عن ولايته وسبق له الترشح لانتخابات الرئاسة ولم يوفق وعمل ٨ سنوات كنائب للرئيس الديمقراطى باراك أوباما، وهذا يعنى أن الرجل لم يهبط بالباراشوت على البيت الأبيض وإنما اجتهد وسعى لتحقيق حلمه بأن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الامريكية.
* من الدروس المهمة لانتخابات الرئاسة الامريكية أن الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها، وأن الكلمة الفصل لصندوق الانتخابات.
أهم درس للانتخابات الأمريكية، أن البون شاسع بين الانتخابات الحقيقية والانتخابات التمثيلية السينمائية ضعيفة الإخراج وأن الديمقراطية الحقة تتطلب وجود أحزاب حقيقية لا ورقية وتداول سلمى للسلطة عبر صناديق الاقتراع ومشاركة جماهيرية واسعة إضافة إلى احترام تام للفصل بين السلطات..
ولعل أهم ما أفرزته تداعيات الانتخابات الامريكية ويؤكد ما سبق، تصريح رئيس الأركان الامريكى: مهمتنا حماية الدستور الامريكى وصيانة احترامه وتصريح بايدن: يجب ألا نعتبر المخالفين لنا فى الرأى أعداء..
من حقنا أن نحب امريكا بسياساتها وتوجهاتها أو نكرهها، ولكن من واجبنا أن نتعلم ونستفيد من تجربتها الديمقراطية.
------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج